وفاة العالم المصرى الكبير مصطفى محمود
توفى المفكر الاسلامي والعالم المصري مصطفى محمود صباح اليوم السبت بعد صراع طويل مع المرض ظل خلالها طريح الفراش في مستشفى يحمل اسمه بمنطقة ميدان لبنان بالمهندسين جنوب القاهرة وصرح مصدر طبي بمستشفى محمود إن الدكتور فارق الحياة في تمام الساعة الثامنة صباحًا ، ومن المقرر أن يتم تشييع الجنازة من مسجد “مصطفى محمود” ظهر اليوم السبت وكان الأطباء قد قرروا مؤخرًا منع الزيارة بشكل كامل عن الدكتور مصطفى محمود إلا لأفراد أسرته >>
وكانت الدكتورة لوتس عبدالكريم ناشرة مجلة “الشموع” الثقافية والتي كانت مقربة من الدكتور مصطفى محمود ، قالت مؤخرًا لقناة “العربية الإخبارية :” إن حالة الدكتور مصطفى تدهورت جدا في الأونة الأخيرة من آثار نزيف قديم في المخ، ومنذ عام كان يعاني فقدان الذاكرة“.
وانتقدت الدكتورة لوتس بشدة وسائل الاعلام التي أدارت له ظهرها ولا تسأل عن أحواله مع أنه كان يشغل بقعة ضوء كبيرة طوال عشرات السنين، من خلال كتبه الكثيرة ، وبرنامجه ذائع الصيت “العلم والايمان” الذي كانت تذيعه عدة محطات تليفزيونية عربية بالاضافة إلى التليفزيون المصري، متمتعا بأكبر نسبة مشاهدة في الثمانينات من القرن الماضي .
وأوضحت أنه لم يفقد وعيه لكنه لم يعد يتعرف كثيرا على أصدقائه ” أكلمه فيرد “وحشتيني” لكن ابنته تقول لي إنه لا يتذكرني، وأن هذه الكلمة يقولها لكل من يزوره“.
وأضافت:” أجريت له ثلاث عمليات جراحية في المخ بعد أن تعرض لنزيف بين الجمجمة والجزء الخارجي ” ، قائلة:” كان يحمد الله أن النزيف لم يتجاوز هذه المنطقة فلم يؤثر عليه في البداية، أجرى له تلاميذه في مصر العملية الأولى وانقذوه من هذا النزيف الذي عاد ثانية فسافر الى السعودية ليخضع لعملية ثانية، ثم عملية ثالثة في لندن“.
نبذة عن العالم الراحل
ولد الدكتور مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، عام 1921، من الأشراف ، ينتهي نسبه إلى عليّ زين العابدين وكان توأما لأخ توفي في نفس العام، هو مفكر وطبيب وكاتب من مواليد شبين الكوم بمحافظة المنوفية توفي والده بعد سنوات من الشلل، درس الطب وتخرج عام 1953 ولكنه تفرغ للكتابة والبحث عام 60 تزوج عام 61 وانتهى الزواج بالطلاق رزق بولدين “أمل” و “أدهم” ، تزوج ثانية عام 1983 وانتهى هذا الزواج أيضا بالطلاق عام 1987.
عاش مصطفى محمود في مدينة طنطا بجوار مسجد “السيد البدوي” الشهير ، بدأ حياته متفوقًا في الدراسة، حتى ضربه مدرس اللغة العربية؛ فغضب وانقطع عن الدراسة مدة ثلاث سنوات إلى أن انتقل هذا المدرس إلى مدرسة أخرى فعاد مصطفى محمود لمتابعة الدراسة.
وفي منزل والده أنشأ معملاً صغيرًا يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الحشرات، ثم يقوم بتشريحها، وحين التحق بكلية الطب اشتُهر بـ”المشرحجي”، نظرًا لوقوفه طول اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت وما بعدهما.
ألف 89 كتابا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، وقدم 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير (العلم والإيمان) وأنشأ عام 1979 مسجده في القاهرة المعروف بمسجد مصطفى محمود ، والذى يتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر ،ويضم المركز أربعة مراصد فلكية ، ومتحفا للجيولوجيا، يقوم عليه أساتذة متخصصون.،ويضم المتحف مجموعة من الصخور الجرانيتية، والفراشات المحنطة بأشكالها المتنوعة وبعض الكائنات البحرية.
برع الدكتور مصطفى محمود في فنون عديدة منها الفكر والأدب، والفلسفة والتصوف، وأحيانا ما تثير أفكاره ومقالاته جدلا واسعا عبر الصحف ووسائل الإعلام.
رحلة كفاح
تعرض لأزمات فكرية كثيرة كان أولها عندما قدم للمحاكمة بسبب كتابه (الله والإنسان) وطلب عبد الناصر بنفسه تقديمه للمحاكمة بناء على طلب الأزهر باعتبارها قضية كفر ، إلا أن المحكمة اكتفت بمصادرة الكتاب, بعد ذلك أبلغه الرئيس السادات أنه معجب بالكتاب وقرر طبعه مرة أخرى.
كان صديقا شخصيا للرئيس السادات ولم يحزن على أحد مثلما حزن على مصرعه يقول في ذلك “كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلا رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر وساعد الجماعات الإسلامية ومع ذلك قتلوه بأيديهم.” وعندما عرض السادات الوزارة عليه رفض قائلا: “أنا فشلت في إدارة أصغر مؤسسة وهي زواجي، فقد كنت مطلقًا لمرتين، فأنا أرفض السلطة بكل أشكالها”. فرفض مصطفى محمود الوزارة كما سيفعل بعد ذلك جمال حمدان مفضلا التفرغ للبحث العلمي..
تعرض لأزمة كبيرة عندما أصدر كتاب “الشفاعة” والتي قال إن الشفاعة الحقيقية غير التي يروج لها علماء الحديث ، وهوجم وقتها بـ14 كتابا للرد عليه ، ولم يدافع عنها وقتها سوى الدكتور نصر فريد واصل مفتى الديار المصرية الأسبق .
فاجأته محنة أدت به إلى أن يعتزل الكتابة إلا قليلا وينقطع عن الناس حتى أصابته جلطة مخيه عام 2003 وعاش منعزلا وحيدا.
قال عنه الشاعر الراحل كامل الشناوي “إذا كان مصطفى محمود قد ألحد فهو يلحد على سجادة الصلاة، كان يتصور أن العلم يمكن أن يجيب على كل شيء، وعندما خاب ظنه مع العلم أخذ يبحث في الأديان بدء بالديانات السماوية وانتهاء بالأديان الأرضية ولم يجد في النهاية سوى القرآن الكريم“.
يذكر أن للمفكر الكبير كتباً مثيرة للجدل والتى منها (محاولة لفهم عصري للقرآن) الذى أثار ضجة إعلامية كبيرة عند صدوره وحاوره فيه كبار علماء الدين، وبعض كتبه الأخرى مثل : الله والإنسان، الله، رأيت الله، من أسرار القرآن، الطريق إلى الكعبة، القرآن كائن حي، الإسلام ما هو؟، التوراة، محمد، لغز الموت، لغز الحياة.